وحيث إن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضاً عليها، ونُظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة - عدا الإعفاء منها - إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون، وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية في إطار من قواعد القانون العام، متخذاً من العدالة الاجتماعية - وعلى ما تنص عليه المادة 38 من الدستور - مضموناً وإطاراً، وهو ما يعني بالضرورة، أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافياً لتحفيها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها.
وقررت المحكمة الدستورية العليا في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين - وبوصفهم من العاملين المصريين في الخارج كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 2403 لسنة 1995 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليه الثالث، طالبين الحكم بصفة مستعجلة بالكف عن مطالبتهم بسداد الضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج، وحتى الفصل في الدعوى، ورد ما سبق أن دفعه المدعي الأول منها في الفترة من 19/ 6/ 1994 حتى 2/ 8/ 1994، وبراءة ذمتهم من أية مبالغ مستحقة عليهم بصفتهم هذه اعتباراً من 19/ 6/ 1994 وبتعويض قدره مائة جنيه عن الأضرار المادية والأدبية، وأثناء نظر هذه الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت للمدعين بإقامة الدعوى الماثلة، فأقاموها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعين من الثاني حتى الأخير لانتفاء شرط المصلحة بالنسبة إليهم، قولاً منها بأنهم لم يسددوا الضريبة المشار إليها، كما لم توجه إلى أي منهم مطالبة بسدادها، لتكون دعواهم الموضوعية بالكف عن مطالبتهم بتلك الضريبة وبراءة ذمتهم منها خلواً من أية حقوق موضوعية يدعونها وتستقل بمضمونها عن الفصل بشكل مجرد في دستورية النصوص التشريعية المطعون عليها ولتغدو دعواها الدستورية مفتقرة إلى شرط المصلحة لانتفاء صلتها بأية طلبات موضوعية يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل فيها.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن شرط المصلحة اللازمة قانوناً لقبول الدعوى الدستورية يعد متوافراً دوماً في شأن المخاطب بالقانون الضريبي المطعون فيه ولو لم تتخذ في شأنه إجراءات ربط وتحصيل الضريبة طبقاً له. متى كان ذلك وكان المدعون المشار إليهم يندرجون في عداد المصريين العاملين بالخارج الملتزمين قانوناً بالضريبة المطعون فيها فإن القول بانتفاء مصلحتهم في إقامة الدعوى الماثلة يكون حقيقاً بالرفض.
وحيث إن القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج قد أورد المواد الخمسة الأولى منه - موضوع الطعن الماثل - على النحو الآتي:
المادة الأولى:
تفرض الضريبة على الأجور والمرتبات وما في حكمها التي يتقاضاها العاملون المصريون في الخارج ممن يزاولون عملاً لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية.
ولا يخضع لهذه الضريبة المصريون المهاجرون هجرة دائمة الذين تتوافر فيهم الشروط الواردة في المادة (8) من قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج والصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983.
المادة الثانية:
يكون سعر الضريبة المنصوص عليها في المادة السابقة كالآتي:
الشريحة الأولى: حتى ما يعادل 20 ألف جنيه مصري سنوياً (1%).
الشريحة الثانية: أكثر مما يعادل 20 ألف جنيه مصري سنوياً وحتى ما يعادل 40 ألف جنيه مصري سنوياً (2%).
الشريحة الثالثة: أكثر مما يعادل 40 ألف جنيه مصري سنوياً (3%).
وتحدد قيمة التعادل بالجنيه المصري على أساس سعر الصرف عند بدء كل سنة تعاقد.
المادة الثالثة:
تحدد الإيرادات الخاضعة للضريبة على أساس مجموع ما يحصل عليه الممول من مرتبات وأجور ومكافآت وبدلات، وذلك على الوجه الآتي:
1 - لا تسري الضريبة على بدلات السفر والانتقال والسكن والملابس والغذاء.
2 - لا تسري الضريبة على بدل طبيعة العمل إلا فيما يجاوز ما يعادل ألف جنيه مصري سنوياً.
فإذا كان الثابت من عقد العمل أن الأجر أو المرتب أو المكافأة شاملاً للبدلات المشار إليها في البندين (1) و(2) فيتحدد وعاء الضريبة بعد خصم 15% من الأجر أو المرتب أو المكافأة الشاملة مقابل هذه البدلات.
3 - يخصم من وعاء الضريبة اشتراكات التأمين الاجتماعي وأقساط الادخار التي تستقطع أو تسدد وفقاً لأحكام قوانين التأمين الاجتماعي أو كنظم بديلة عنها أو قوانين المعاشات والادخار الحكومية سواء في جمهورية مصر العربية أو الدولة التي بها جهة العمل.
4 - بعد إعمال أحكام البنود (1) و(2) و(3) يخصم من الوعاء 5% للأعزب و10% للمتزوج، وللمتزوج ويعول وللعائل لأولاده أو لوالديه أو لأحدهما مقابل الأعباء العائلية.
وفي جميع الأحوال تخصم من وعاء الضريبة، الضريبة الأجنبية المسددة عن ذات الإيراد.
المادة الرابعة:
على كل عامل خاضع لأحكام هذا القانون أن يقدم إلى مصلحة الضرائب سنوياً وعند انتهاء الإجازة أو الإعارة صورة معتمدة من عقد العمل المبرم مع جهة عمله في الخارج أو بياناً معتمداً بمفردات مرتبه أو أجره في تلك الجهة ويتعين عليه إيضاح التغييرات التي طرأت على مرتبه أو أجره خلال السنة.
وتختص مصلحة الضرائب بتحديد قيمة الضريبة المستحقة وفقاً لأحكام هذا لقانون وإخطار الممول بذلك على النموذج الذي تحدده اللائحة التنفيذية بموجب خطاب موصى عليه بعلم الوصول أو بالتسليم المباشر للعامل نفسه أو من ينيبه مقابل إيصال.
وفي حالة تسديد قيمة الضريبة تسلم المصلحة العامل شهادة تفيد ذلك لتقديمها للجهات المختصة للموافقة على تجديد الإجازة أو الإعارة أو منحه إذن العمل.
وفي جميع الأحوال يحظر على الجهات المختصة تجديد الإعارة أو الإجازة أو إذن العمل إلا بعد تقديم ما يفيد سداد الضريبة أو إيداع تأمين مناسب وفقاً للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون إذا قدم الممول اعتراضاً أو طعناً وفقاً لأحكام قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، ويكون صدور إذن العمل المنصوص عليه بالقانون رقم 173 لسنة 1958 بالنسبة للعاملين الخاضعين لأحكام هذا القانون لمدة عام قابلة للتجديد.
المادة الخامسة:
يكون سداد الضريبة سنوياً بالجنيه المصري وبالطريقة وفي المواعيد التي تحددها اللائحة التنفيذية وفي حالة حدوث تغيير في المرتب أو الأجر الخاضع للضريبة يعدل حساب الضريبة من تاريخ هذا التغيير على أساس الإيراد الجديد.
وفي حالة عدم اكتمال السنة تسدد الضريبة بنسبة المدة التي قضاها العامل في الخارج، ويتوقف سريان الضريبة في الحالات التي يتوقف فيها صرف مرتب أو أجر العامل لأي سبب من الأسباب، والنسبة لمتجمد المرتبات أو الأجور أو مكافأة نهاية الخدمة التي تصرف للعامل دفعة واحدة في سنة ما، يتم توزيع هذا المتجمد على سنوات الاستحقاق وتحسب الضريبة على أساس ذلك.
وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 18 يونيه 1994 وعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره.
وحيث إن المدعين ينعون على القانون رقم 208 لسنة 1994 الطعين مخالفته للمواد 4 و8 و13 و38 و40 و41 و52 و61 و119 و120 من الدستور، وذلك من أوجه متعددة أهمها:
أولاً: الإخلال بالعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي، سواء من ناحية قصر الضريبة المطعون عليها على العاملين المصريين في الخارج ممن يزاولون عملاً لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية؛ لتصيب الضريبة الكادحين ويفلت منها القادرون؛ أو من ناحية ضوابطها التي لا تقيم وزناً للمقدرة التكليفية للممول.
ثانياً: مناهضة مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون بالتمييز غير المبرر بين أفراد الفئة الخاضعة للضريبة؛ وبين فئات أخرى من العاملين المصريين في الخارج ممن لم يتحقق في شأن عملهم عنصر التبعية الذي يشترطه القانون للخضوع للضريبة.
ثالثاً: إخفاق المشرع في معالجة الازدواج الضريبي بنصه على أن يخصم من وعاء الضريبة، الضريبة الأجنبية المسددة عن ذات الإيراد، بينما الصحيح أن تخصم الضريبة الأجنبية من الضريبة التي فرضها هذا القانون.
رابعاً: الخروج على مبدأ إقليمية الضريبة الذي اعتنقته الدولة وأخذت به في قانون الضريبة الموحدة باعتباره الشريعة العامة للنظام الضريبي بما لا وجه معه للخروج على هذا المبدأ، لما في ذلك من إخلال بالعدالة في توزيع الأعباء والتكاليف العامة وبقواعد فرض الضرائب وبأسس جباية الأموال العامة.
خامساً: أن تعليق تجديد الإعارة أو الإجازة على تقديم ما يفيد سداد الضريبة المشار إليها ينطوي على تقييد لحق العمل وحرية التنقل والهجرة المؤقتة.
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها بُذِلَت من أجلهم، وعاد عليهم مردودها، ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضاً عن تكلفته - وإن لم يكن بمقدارها.
وحيث إن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمناً تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضاً عليها، ونُظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة - عدا الإعفاء منها - إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون، وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية في إطار من قواعد القانون العام، متخذاً من العدالة الاجتماعية - وعلى ما تنص عليه المادة 38 من الدستور - مضموناً وإطاراً، وهو ما يعني بالضرورة، أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافياً لتحفيها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها.
وحيث إن البيّن من نص المادة الأولى من القانون المطعون فيه ما يأتي:
أولاً: أن فقرتها الأولى قضت بفرض الضريبة على الأجور والمرتبات وما في حكمها التي يتقاضاها العاملون المصريون في الخارج ممن يزاولون عملاً لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية.
ثانياً: أنه عملاً بفقرتها الثانية لا يخضع لهذه الضريبة المهاجرون هجرة دائمة الذين تتوافر فيهم الشروط الواردة في المادة (8) من قانون الهجرة ورعاية المصريين العاملين في الخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983.
ثالثاً: أن غير هؤلاء المهاجرين هجرة دائمة من المصريين العاملين في الخارج ويحصلون على دخل من عملهم الذي لا يتوافر فيه عنصر التبعية يظلون بمنأى عن هذه الضريبة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النصوص القانونية - وأياً كان مضمونها - تعتبر مجرد وسائل تدخل بها المشرع لتنظيم موضوع محدد. ومن خلال ربطها بأغراضها - وبافتراض مشروعيتها - واتصالها عقلاً بها، تتحدد دستوريتها. وإذ كانت المقاصد الأصلية لهذه الضريبة - على نحو ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون - تتمثل في إنماء موارد الدولة إيفاء لنفقاتها العامة، ولكي يؤدي المصريون العاملون في الخارج جزءاً من الدين الواجب عليهم أداؤه مقابل تعليمهم وتنشئتهم وإعدادهم للعمل في الخارج، وحتى يتحقق الانتماء الوطني بتحميل العاملين في الخارج جزءاً من عبء النفقات العامة للدولة، بما يحقق تكافل أبناء مصر داخلها وخارجها في بناء وتنمية الوطن. إذ كان ذلك، فإن ما نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون من قصر فرض الضريبة على الأجور والمرتبات - وما في حكمها - التي يتقاضها العاملون المصريون في الخارج ممن يزاولون عملاً لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية، مخرجاً بذلك من نطاقها ما يجنيه مصريون آخرون من حصيلة عملهم في الخارج لا لشيء إلا لكون عملهم لا ينطوي على تلك التبعية، يكون متصادماً مع المقاصد الأصلية للقانون المطعون فيه، ذلك أن صفة المواطنة ليست حكراً على الطائفة الأولى وحدها دون الثانية، كما أن التكافل في بناء وتنمية الوطن عن طريق التحمل بعبء الضرائب والتكاليف العامة يشمل المصريين جميعاً - كل بحسب مقدرته التكليفية - التزاماً بما نص عليه الدستور في المادة الرابعة من كفالة عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، وفي المادة السابعة من إقامة المجتمع على التضامن الاجتماعي؛ ومن ثم يكون اتخاذ عنصر التبعية في العَمل لدى الغير بالخارج معياراً مُحدداً للخاضعين للضريبة التي فرضها القانون المطعون فيه، مفتقداً للرابطة المنطقية التي تصل الضريبة بأهدافها المبتغاة.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداها أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور، بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك التي نص عليها الدستور أو التي ضمنها المشرع. ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقم بها المشرع تمييزاً غير مُبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز، أو قاصرة بمداها عن استيعابها. لما كان ذلك، وكان القانون المطعون فيه قد استبعد من دائرة تطبيقه فئة من العاملين المصريين في الخارج، هم الذين لا يتوافر في عملهم عنصر التبعية بينما أخضع لأحكامه أولئك الذين يتوافر في عملهم ذلك العنصر، فإن هذا التمييز وقد قام على غير أسس موضوعية تبرره، يصم المبدأ الذي اعتنقه ذلك القانون بالإخلال بالمساواة التي كفلتها المادة 40 من الدستور.
وحيث إن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون - وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية. وتقوم على العدالة الاجتماعية التي فرضتها المادة 38 من الدستور كأساس للنظام الضريبي، والتي ينافيها أن يقتصر فرض الضريبة على فئات دون أخرى رغم توافر مناط استحقاقها فيهم جميعاً، مما يعد إخلالاً بحقوق الفئات التي أخضعها القانون للضريبة - بتحميلهم وحدهم أعباءها كاملة - وإعفاء الآخرين منها دون مقتض.
وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية؛ وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام؛ وكان القانون المطعون فيه قد انعكس أثره سلباً على عناصر الذمة المالية الإيجابية للممول منقصاً منها دون مقتض، فإنه يكون قد تضمن - بذلك - عدواناً على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادتين 32 و34 من الدستور.
وحيث إن العوار الدستوري الذي يصم الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الطعين - طبقاً للتفصيل متقدم الذكر - يهدم بنيان هذه الضريبة من أساسه؛ ذلك أن تصحيح نطاقها ليشمل كل من يتوافر فيه مناط استحقاقها، ينعكس تأثيره حتماً على سائر نصوصه، وعلى الأخص تلك المتضمنة تعيين وعائها وتحديد سعرها وشرائحها وحدود وأحوال الإعفاء منها وبيان طرائق وإجراءات تحصيلها.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى المشار إليها، يؤدي - بحكم اللزوم العقلي - إلى سقوط باقي نصوص القانون رقم 208 لسنة 1994 برمتها، ودون حاجة إلى بيان المثالب الدستورية الأخرى التي اعتورتها - وذلك لارتباط هذه النصوص بالفقرة الأولى ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحيث تكون معها كُلاً واحداً لا يتجزأ، مما لا يتصور معه أن تقوم لهذه النصوص قائمة بغير تلك الفقرة، أو إمكان إعمال أحكامها في غيبتها.
وحيث إنه عن طلب المدعين التصدي لدستورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا - استناداً إلى المادة 27 من قانونها - فإنه بعد أن انتهى قضاء هذه المحكمة إلى عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الطعين وسقوط باقي مواده تبعاً لذلك، بما مؤداه انعدام أي أساس قانوني لمطالبتهم بالضريبة، فإنه يتعين الالتفات عن هذا الطلب.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج وبسقوط باقي نصوصه الأخرى، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار محمد علي سيف الدين الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع مسودة هذا الحكم، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار ماهر البحيري.
0 التعليقات:
إرسال تعليق