الخسائر تحاصر شركات التأمين على المركبات... والسوق السعودية مهددة بـ«الشلل»



يتهدّد الشلل سوق التأمين على المركبات في السعودية، بعدما أوقفت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) خلال الأيام الماضية، أربعاً من كبرى شركات التأمين العاملة في البلاد، لعدم التزامها بتسوية مطالبات تأمين المركبات ومعالجة شكاوى العملاء.
وتعاني غالبية شركات التأمين حالاً من الاضطراب، بسبب تكبدها خسائر مالية «فادحة» خلال السنوات الأخيرة، وعجزها عن دفع التعويضات إلى المتضررين، ما أدى إلى مضاعفة رسومها بدعوى «زيادة الحوادث». فيما اتهمها مواطنون بـ«التحايل».



وأوقفت «ساما» شركات: المتحدة للتأمين التعاوني، «ملاذ»، «المتوسط والخليج» (ميدغلف)، و«المجموعة المتحدة» (أسيج). وقالت المؤسسة أن «الشركات لم تلتزم بالمتطلبات، على رغم المتابعة المستمرة من المؤسسة»، مؤكدةً أنه «لن يتم رفع الوقف حتى تصحّح هذه الشركات أوضاعها وتلتزم بالمعايير والاشتراطات التي تضمن حقوق العملاء والمستفيدين من التغطية التأمينية».
وتسبّب الارتفاع المتواصل في رسوم التأمين بعزوف كثر من أصحاب المركبات عن التأمين عليها، على رغم إلزامية التأمين في السعودية، وذلك بعدما صعدت أسعار خدمات التأمين خلال عام واحد فقط نحو 100 في المئة، لترتفع أصوات مطالبة «مؤسسة النقد» بالتدخل لضبط أسعار التأمين، ووضع حد أعلى لها، للحد من حال «الانفلات والفوضى» التي يعيشها القطاع.
ويبلغ عدد شركات التأمين وإعادة التأمين المرخصة في السوق السعودية 35 شركة، وعدد شركات وسطاء التأمين المرخص لها 80، في حين بلغ عدد شركات وكلاء التأمين المرخص لها 84، وعدد المختصين الاكتواريين شركتين، واختصاصيي تسوية المطالبات التأمينية 10 شركات، واستشاريي تأمين ثماني شركات.
وتبلغ رؤوس أموال شركات التأمين وإعادة التأمين نحو 12.96 بليون ريال، منها أربع شركات راوحت خسائرها المتراكمة بين 50 إلى أقل من 75 في المئة من رأسمالها، وهي: ملاذ للتأمين، إعادة التأمين التعاوني، الأهلية للتأمين التعاوني، أمانة للتأمين، وسوليدرتي تكافل.
فيما راوحت الخسائر المتراكمة لشركة واحدة بين 75 إلى أقل من 100 في المئة، وهي «سند للتأمين التعاوني»، في حين تجاوزت الخسائر المتراكمة لـ«وقاية للتأمين» و«إعادة التأمين التكافلي» رأسمالهما، علماً أن الشركتين موقوفتان عن التداول في سوق الأسهم السعودية.



ويصل عدد أسهم شركات قطاع التأمين من الحجم الكلي للسوق إلى مليون و299 ألفاً و166 سهماً، وقيمتها السوقية 36 مليوناً و479 ألفاً و21 ريالاً، وذلك حتى 27 آذار (مارس) 2016.
ويعدّ قطاع التأمين الأكبر في عدد الشركات من بين القطاعات المدرجة في سوق الأسهم السعودية، وقدر رئيس لجنة التأمين في الغرفة الصناعية التجارية في جدة خلدون بركات، في تصريح إلى «الحياة» العام الماضي، حجم الإنفاق في قطاع التأمين عموماً بنحو سبعة بلايين ريال سنوياً، وحجم الإنفاق في التأمين على الحياة فاق 250 مليون ريال أقساط تأمينية».
وكانت «ساما» أصدرت تعليمات ألزمت شركات التأمين بتسوية المطالبات التأمينية لمركبات الطرف الثالث للأفراد، والتي لا تتجاوز قيمتها مبلغ ألفي ريال خلال أقل من خمسة أيام عمل من تاريخ استلام المطالبة مكتملة المستندات.
وألزمتها أيضاً باعتماد نموذج موحد للتأمين الإلزامي للمركبات (الطرف الثالث) للأفراد، وتضمن النموذج توحيداً للمستندات المطلوبة في هذا الشأن وإجراءات موحدة تلتزم بها شركات التأمين لتسوية مطالبة التأمين الإلزامي للمركبات (الطرف الثالث) للأفراد، وأبرزها وجوب إبلاغ مقدم الطلب حال استلام الطلب بأي نواقص في المستندات المطلوبة مع التزام الشركة بمعاينة المركبة خلال أقل من ثلاثة أيام من تاريخ تقديم المطالبة.
وقالت المؤسسة أنها سبق أن ألزمت شركات التأمين سداد جميع مطالبات التأمين الإلزامي للمركبات (الطرف الثالث) للأفراد، وكذلك استرداد الجزء المتبقي من قسط التأمين في حال إلغاء وثيقة تأمين المركبات من خلال إيداع مبلغ التعويض في الحساب المصرفي للمستفيد مُباشرةً من طريق رقم الحساب الدولي «الآيبان».
وتدهور قطاع التأمين في المملكة خلال السنوات الأخيرة، بسبب تكبد الشركات خسائر «فادحة»، قدّرها اقتصاديون بأكثر من 50 في المئة من رأسمالها، ما اضطر شركات عدة إلى رفع رأسمالها بعدما تعرضت للتآكل، لتستمر خسائرها بفعل ضعف الطلب نسبةً إلى المعروض، والضعف الإداري في بعض الشركات.
ورأى المحلل الاقتصادي محمد العمران، أن عدد الشركات الموجودة في سوق التأمين السعودية «مبالغ فيه للغاية، ورؤوس الأموال كان مبالغاً فيها أيضاً، ولذلك ظهرت لدى أوائل الشركات سيولة ممتازة ولديها استثمارات تحقّق عوائد حتى اليوم».
وأرجع المحلل الاقتصادي فضل البوعينين، أزمات قطاع التأمين إلى حداثة كثير من شركاته، معتبراً أنه «عاش مراحل تأسيس صعبة، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الكفاءة بعد، على رغم طول فترة الاحتضان التي عاشها القطاع ونقص الكوادر الوطنية المؤهلة للعمل فيه».
واستدعى الارتفاع الكبير في أسعار التأمين على المركبات العام الماضي، تدخّل لجنة النقل في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، مطالبة شركات التأمين بإعادة النظر في تلك الأسعار، بعدما تضاعفت، وفق بيان لها، إلى 400 في المئة، وطالبت بـ«تصحيح مسارها»، لترفض الأخيرة على لسان الناطق باسمها آنذاك عادل العيسى البيان، واصفاً الأرقام بـ«غير الصحيحة، ولا تمتُّ إلى الواقع بصلة».
إلا أن العيسى اعترف في الوقت نفسه، بـ«ارتفاع أقساط التأمين في السنوات الأخيرة في شكل كبير، لكنها ارتفعت بنسب متفاوتة من شركة إلى أخرى، ولم ترفع الشركات الأقساط بنسبة موحّدة». وعزا الارتفاع إلى «أسباب منطقية فرضتها زيادة كلفة الحوادث وعددها، وهو ما نتج منه خسائر كبيرة للشركات».
ومن بين الأسباب التي عدّدها العيسى، «ارتفاع قيمة الدية عن الوفاة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، وتوسيع نطاق التغطيات بموجب الوثيقة الموحدة، فيما لم تعد هناك أي استثناءات تقريباً، ما زاد من عدد الحوادث المُغطاة، إضافة إلى التضخم الطبيعي في كلفة الإصلاح، خصوصاً بالنسبة إلى السيارات الحديثة، وكذلك زيادة ظاهرة الاحتيال على الشركات في شكل ملموس».
ورد عملاء على اتهام شركات التأمين لهم بـ«الاحتيال»، واتهموها برفع رسومها في شكل غير مبرر، وأطلقوا وسماً عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بعنوان «الاحتيال على شركات التأمين»، لاقى انتشاراً واسعاً، برر من خلاله البعض «الاحتيال» على تلك الشركات بأنها «في النهاية تسرقهم».
واتهم عيسى الزهراني شركات التأمين بـ«الفساد»، مغرداً: «شركات التأمين شركات فاسدة ومحتالة، لذلك نجد أن بعضها أفلس والبعض الآخر مُنع من ممارسة نشاطه لسوء ما يقدمه من خدمات». ووافقه علي العنزي الرأي بقوله: «المفروض عند انتهاء التأمين من دون أي حوادث، أن يرجع لك نصف القيمة أو كلها».
وتداول مغردون مقاطع مصورة لمواطنين يعرضون سياراتهم للإتلاف في حوادث متعمدة للحصول على مبلغ التأمين، وبرر البعض هذا السلوك، إذ اعتبر عبدالرحمن الزهير أن «الاحتيال على المحتال حلال». وأيده مغرد يطلق على نفسه «النداوي»، بقوله: «من له حيلة على المحتال فليحتال». وكتب «يزيد»: «الاحتيال والغش حرام، لكن في شركات التأمين يبردان القلب».
وعلى الجانب الآخر، استنكر مغردون الإقدام على هذا الأمر و«استحلال أموال شركات التأمين بالباطل». إذ كتبت هيفا الشمري: «هناك من يبررالتحايل مدعياً على البعض السيئة بالسيئة، وتناسى تقوى الله».
وحمّل محمد الوهابي المتحايلين مسؤولية ارتفاع الرسوم، مدوناً: «بسببهم ترتفع أسعار التأمين على الجميع، لذلك أمثال هؤلاء يعتبرون مخربين ولا بد من القبض عليهم».

0 التعليقات:

إرسال تعليق