مع توالي المقترحات والدعوات النيابية وغير النيابية إلى ضرورة تقليص أعداد العمالة الوافدة في الكويت، نظراً لما يشكّله هؤلاء من «أخطار» تتوزع بحسب التصريحات على الديموغرافية والأمن والاقتصاد وغيرها، تفتح «الراي» الملف لتناقشه من زاوية اقتصادية بحتة.
فبينما تصوّب المقترحات التصريحات السياسية و«الشعبوية» على كيفية زيادة الأعباء والتكاليف على الوافدين، تارة عن طريق فرض رسوم على تحويلاتهم المالية إلى بلدانهم، وتارة أخرى عبر وضع ضرائب خاصة عليهم من قبيل رفع التأمين الصحي، وزيادة بدل رسوم الإقامات وغيرها، تبرز أسئلة عديدة، لعل أهمها: من سيتحمّل في نهاية المطاف عبء الزيادات المقترحة على المغتربين، ولماذا لا تتم الاستفادة من مدخرات هؤلاء (إن وُجدت) بشكل أفضل؟
وفي هذا السياق، أشار عدد من المختصين إلى أن تقليص أعداد العمالة الوافدة بشكل مليوني (وفق ما جاء على لسان عدد من النواب والمسؤولين) أو فرض رسوم وضرائب جديدة عليها، سينعكس بلا أدنى شك على القطاعين الحكومي والخاص، معتبرين أن «الموظف (الوافد) لن تكون لديه خيارات كثيرة، فهو إما سيلجأ إلى مطالبة الجهة التي يعمل لديها بزيادة راتبه، في حين أن كل من الحكومة والقطاع الخاص يعملان على تقليص النفقات في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة بالتزامن مع هبوط أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، أو سيبادر إلى ترك العمل والعودة إلى بلاده، وهذا ما لن تتحمله الجهتان أي الحكومة والقطاع الخاص على المدى المتوسط، إذ سيترتب عليها هجرة اليد العاملة، ما يعني أن الكثير من خطوط الإنتاج ستتأثر، إن لم تتوقف بشكل كلي، أو أنه الوافد يتابع الخبراء) سيعمل على إعادة عائلته وأفراد أسرته إلى وطنه الأم، بما يحمله هذا القرار من سلبيات على القطاعات الاقتصادية المختلفة».
في المقابل، تساءل هؤلاء «لماذا لا يتم العمل على سنّ قانون يتيح للوافد التملك في الكويت؟»، مشدّدين على أن لهذا الأمر فوائد عدة، إذ إن تملكه للعقار أو الشقة سيدفعه إلى توطين أمواله في «الديرة» ما ينعكس إيجاباً على المصارف والقروض وسوق الائتمان، وينسحب هذا الأمر بالتالي على مختلف الدورة والقطاعات الاقتصادية الأخرى، معتبرين أن الترحيل العشوائي وغير المدروس، وغير المبني على دراسة مستفيضة وصحيحة قد يكون مكلفاً جداً، وقد تكون له تدعايات سلبية جداً على الاقتصاد ككل.
تعليقاً على التصريحات والأفكار الكثيرة المتداولة في شأن ضرورة ترحيل قسم كبير من الوافدين، يرى خبراء اقتصاديون (امتنع غالبيتهم عن ذكر هوياتهم نظراً لحساسية الموضوع) أنه يمكن بمنتهى البساطة إطلاق شرارة التفكير بصورة أكثر إبداعاً وإيجابية تجاه الوافدين، بغية تعظيم الاستفادة من تواجدهم في الكويت، بدلاً من التضييق عليهم بما ينعكس سلباً على مكونات الاقتصاد المحلي، لاسيما وأنهم لاعب مهم وأساسي في العمليات التشغيلية لأي نشاط إنتاجي أو خدمي في البلاد.
ويشير هؤلاء في تصريحات لـ «الراي» إلى أن بعض القرارات التي تتخذ ضد الوافدين، تكلفتها أعلى بكثير من تكلفة استمرارهم بالتواجد في الكويت، ما يتطلب وجود دراسة وافية لأي قرار يصدر بخصوص هذه الشريحة التي يصل تعدادها إلى نحو 3 ملايين، بحيث يراعي البعد الاقتصادي للقرار دون محاباة أو عشوائية، خصوصا لما يمثله الوافدون من عنصر فاعل في معدلات الإنفاق الاستهلاكي المرتفعة، والتي تعد محركاً للعديد من القطاعات الاقتصادية، بدءاً من العقار والمصارف، مروراً بالاتصالات والسيارات وأنشطة التعليم الخاص، وليس انتهاء بالجمعيات والمطاعم ومتاجر التجزئة وغيرها الكثير من المجالات الأخرى.
وخلصت رؤى المختصين إلى أن الوافدين في الكويت يعدون أحد أهم الركائز الاقتصادية، نظرا لما يمثلونه من قوة شرائية، خصوصاً لجهة عددهم الكبير، ناهيك عن كونهم العامود الفقري لفئة «الاستثماري» في القطاع العقاري، كونهم يمثلون ما يزيد على أكثر من 75 في المئة من المستأجرين.
وفي حين يطالب الكثيرون بتحجيم تحويلات الوافدين إلى الخارج وفرض رسوم عليها، ربما يتناسى هؤلاء أن تلك التحويلات تتحكم في مصير 40 شركة صرافة محلية تعاني بالفعل في الوقت الراهن من تراجع حاد في الإيرادات، إثر تحوّل شريحة واسعة من الوافدين إلى السوق السوداء للصيرفة، فيما لن يزيد أي قرار محتمل في هذا الشان إلا من سطوة «السوق السوداء»، وهو أمر حذّر منه صندوق النقد الدولي في تقرير أصدرها قبل بضعة أسابيع.
يقول أحد المحللين والخبراء (مشرف على وحدة بحثية معنية بشؤون العمالة) إن الدول التي تستقدم عمالة أجنبية من الخارج مثل الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، تشهد آثاراً اقتصادية متباينة بعضها إيجابي، وبعضها الآخر سلبي، لافتا إلى أن استمرار هذه البلدان في الاستعانة بالعمالة الأجنبية يتوقف على حسابات التكلفة والعائد، والتي مازالت تصب حتى الآن في صالح الاستعانة بالعمالة الأجنبية (الرخيصة) بالتوازي مع خطط التوطين والإحلال في بعض التخصصات التي تتسع شيئا فشيئاً.
وأوضح أن الدول المستقدمة للعمالة الأجنبية تستفيد بالطبع من سد النقص في بعض التخصصات، بالإضافة إلى فوارق التكلفة والإنتاجية وغيرها، مقابل خسارتها (الدول) لتحويلات تلك العمالة إلى بلدانها، والتي وصلت بحسب ما تظهره بعض التقارير في الكويت إلى نحو 12 مليار دولار سنوياً.
إلا أنه (الخبير) يرى في المقابل، أن العوائد من استقدام العمالة الأجنبية تفوق تكلفتها في الكويت بالنظر إلى عدد من المؤشرات. ومن أبرز وأهم المؤشرات التي عرج عليه الرجل:
1 - يوجد في الكويت نحو 3 ملايين أجنبي، منهم نحو 750 التحاق بعائل، ونحو 650 ألف (خدم)، و1.6 مليون عامل في الحكومة والقطاع الخاص، تقدر تحويلات هؤلاء جميعاً بنحو 12 مليار دولار (3.6 مليار دينار)، تمثل 55 في المئة من أجور ورواتب ومنح 270 ألف كويتي يعملون في القطاع الحكومي.
2 - يعمل 1.5 مليون وافد بالقطاع الخاص، 56 في المئة منهم في قطاعات مثل الإنتاج والنقل والزراعة والخدمات، و11 في المئة بمهن علمية وفنية، كما يعمل 11 في المئة أيضاً بأعمال المبيعات، و7 في المئة بأعمال مكتبية، في حين أن 3 في المئة فقط، مديرون وتنفيذيون، فيما تتوزع النسبة الهامشية المتبقية على أعمال أخرى، أي أن غالبيتها أعمال لا يسهل على العمالة الوطنية القيام بها، لاسيما وأن 60 في المئة منهم يتقاضون أقل من 180 ديناراً شهرياً، و30 في المئة منهم ما بين 180 و480 ديناراً، في حين أن 10 في المئة فقط فوق 480 ديناراً شهرياً.
3 - يعمل في القطاع الحكومي نحو 100 ألف أجنبي (من بينهم غير محددي الجنسية) أي 25 في المئة من إجمالي العاملين بالحكومة، لكنهم لا يتقاضون سوى 725 مليون دينار سنوياً، وهو ما يمثل 14 في المئة فقط من ميزانية الرواتب والأجور المباشرة، ونحو 10 في المئة من ميزانية الرواتب والأجور والمنح الاجتماعية الأخرى، والتي تزيد على 7.3 مليار دينار.
4 - متوسط الأجر المباشر للعامل الأجنبي في القطاع الحكومي يبلغ 631 ديناراً شهرياً، مقابل 1453 دينار للعمالة الوطنية بدون احتساب المزايا الأخرى.
5 - معدلات إنتاجية غالبية العمالة الوافدة وساعات عملها مرتفعة جداً، مقارنة بمعدلات الأجور التي تتقاضاها، وبالتالي تعد هذه النقطة عنصراً حاسما في ربحية المنشآت التي تعمل بها وأحد محددات استمرارها.
6 - تمثل العمالة الوافدة محركاً رئيسياً لعدد كبير من القطاعات، ولاسيما القطاع العقاري الاستثماري، وقطاع مبيعات التجزئة، والمطاعم، والنقل الجوي، وقطاعات التعليم، والسيارات، والمصارف، والتأمين، وغيرها، خصوصاً وأنها تنفق ما يزيد على 70 في المئة من دخلها محلياً على الأقل.
وأوضح الخبير أن العمالة الأجنبية تم استقدامها من قبل منشآت حكومية وخاصة، وذلك وفق قاعدة ومعادلة «تبادل المنافع» في ما بين الطرفين، باستثناء الدور السلبي الذي لعبته تجارة الإقامات في انتشار ظاهرة العمالة السائبة (الهامشية)، والتي تسعى الدولة عبر إجراءاتها القانونية للحد من تداعياتها، معتبراً في هذا السياق أن خطوة السلطات في هذا المجال مستحقة تماماً، وكان ينبغي أن تحصل منذ فترة بعيدة.
في المقابل، بيّن الخبير أن من إيجابيات العمالة الوافدة في الكويت أنها جعلت تكاليف إنتاج أو إنجاز بعض الأعمال أقل من حيث التكلفة، بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، ما يجعلها أكثر تنافسية، وخصوصا في القطاع الصناعي، وذلك بالنظر إلى حرية أصحاب الأعمال في استقدام أمهر العمال من مختلف الجنسيات، وبأقل التكاليف، وهو ما يصعب تحقيقه في دول أخرى.
العقار أكبر الخاسرين
من ناحيته، يعد القطاع العقاري وفق الأرقام والإحصائيات المتوفّرة من أبرز وأكثر المجالات المتأثرة والمعرضة للخطر حال تطبيق أي قرارات جديدة من شأنها الحد من قدرة الإنفاق لدى الوافدين، إذ يقول الخبير العقاري، سليمان الدليجان، إن الأثر المتوقع على القطاع العقاري من الاقتراحات التي يتم تداولها بين الفينة والأخرى بتحجيم تحويلات الوافدين وتقليصها أو فرض رسوم وضرائب عليها، بالإضافة إلى زيادة أسعار السلع والخدمات وخصوصا الكهرباء والماء حال تحوّلها إلى قرارات حقيقية، ستؤثر على جانبين رئيسيين في قطاع العقار، هما «الاستثماري» ومن ثم «التجاري».
وأشار إلى أن قرار زيادة أسعار الماء والكهرباء سيؤثر سلباً على القوة التأجيرية، إلاسيما وأنه سيزيد فاتورة الكهرباء والماء بنسبة 10 في المئة من القيمة التأجيرية، فيما يحتاج القرار إلى وقت للتكيف مع معطياته الاقتصادية.
وأوضح أن المجال الاستثماري يعد الأكثر تأثراً في قطاع العقارات بقرارات تقليل عدد المقيمين، لأنهم الركيزة الأساسية ذات الغالبية التي تستأجر تلك الوحدات، إذ تبلغ نسبة المستأجرين من الوافدين نحو 75 في المئة.
ولفت الدليجان كذلك إلى أن تقليل عددهم سيزيد من عدد الوحدات السكنية الشاغرة بشكل ملحوظ، ما يعني زيادة المعروض وقلة المطلوب، الأمر الذي يتسبب في تراجع العوائد الإيجارية، وفيما لو تحولت التوقعات بحدوث ذلك إلى حقيقة على أرض الواقع ستؤدي بطبيعة الحال إلى ركود نوعي في حركة الإنشاءات بالقطاع الاستثماري، ما لم يغط المعروض من الوحدات الشاغرة في النهاية بطلب يعادلها على الأقل.
وأكد أن قطاع العقارات التجاري سيتأثر قبل «الاستثماري» نظرا لأن زيادة فاتورة الكهرباء والماء ستطبق عليه أولاً، إذ يرتكز في نشاطه على الوافدين، ناهيك عن المواطنين إلا أن الأعداد الكبيرة للمقيمين تعد عاملاً أساسياً للقطاع، خصوصا مع ارتفاع معدلات إنفاقهم الاستهلاكي الذي ينشط أعمال المستأجرين من مقدمي الخدمات بمختلف أنواعها، إلا أنه في حال تراجع اعداد الوافدين سيتقلص إنفاقهم الاستهلاكي أيضا، ما سيترك أثره السلبي على المستأجرين والقطاع تباعاً، كما أن مضاعفة فاتورة الكهرباء والماء ستترك أثرها على المستأجرين أنفسهم، أي أن الآثار قد تكون مضاعفة.
الدغيشم
بدوره، شدّد الخبير الاقتصادي بالقطاع العقاري عبدالعزيز الدغيشم، على ضرورة مراعاة القطاع العقاري الاستثماري حال إصدار أي قرارات تخص الوافدين، نظرا لأن أغلب المستأجرين من المقيمين.
ولفت إلى أن عمليات العرض والطلب في «الاستثماري» تتوقف على قرارات الوافدين في شأن معدلات الإنفاق والادخار الخاصة بهم، إذ إن زيادة أسعار السلع والخدمات تزيد جانب المصروفات في موازنة المقيم، ما يتطلب معه اتخاذ قرارت تغيّر النمط الاجتماعي والمعيشي وفقا لمعدلات الإنفاق والادخار التي حددها لنفسه، ما يجعله يتحول من السكن الأسري إلى «العزوبي»، ما يعني أنه لو كان هناك 10 أسر تحول عائلها إلى «العزوبي» سيكون هناك معروضا بنحو 3 شقق شاغرة، بينما لن يزيد الطلب، إذ يعيش المقيمون العزاب في مجموعات، وهو ما يزيد من عدد الوحدات المعروضة في ظل قلة الطلب، ما سيقود إلى تراجع القيم الإيجارية لسد الشواغر.
أما فيما يتعلق بتحويلات الوافدين، والمطالبات المتكررة بفرض رسوم عليها، أو تحجيمها لتستفيد الكويت منها، فيؤكد نائب رئيس اتحاد الصيرفة طلال بهمن، أن أي قيود على التحويلات سواء كانت عن طريق تحديد حجمها بحد أقصى، أو فرض رسوم بأي شكل، ستترك أثراً سلبيا على سوق الصرافة، وخصوصا عمليات تحويل العملات ما قد يؤدي إلى نزوح عدد كبير من الشركات خارجه وتقلص حجم السوق.
وأكد بهمن في تصريحات لـ «الراي» أن انعكاس المطالبات بفرض قيود على حركة أموال الوافدين إلى خارج الكويت، قد يطال أثرها أعمال نحو 40 شركة كويتية قائمة بالفعل، وتعمل في السوق بظروف صعبة حاليا، إذ تقاوم من أجل البقاء والاستمرار خلال الوقت الراهن.
وأوضح أن الشركات التي تعمل حالياً تواجه تحديات كثيرة في ظل توجه بعض الجاليات الكبرى نحو «السوق السوداء»، وتراجع معدلات نمو الأرباح بصورة مستمرة، ما يجعل المقترحات بتحجيم التحويلات تؤثر سلباً على القطاع، لافتا إلى أن الرأي القائم على أن «تحجيم» تحويلات الوافدين سيوفر السيولة داخل السوق من أجل إثراء الوضع الاقتصادي خاطئ، إذ إن إثراء الاقتصاد لا يكون بالقضاء على قطاع قائم، ويعمل بعدد كبير من الشركات.
واستشهد بهمن بمعدلات التغيير في صافي أرباح 40 شركة صيرفة عاملة، إذ توقع أن تستمر أرباح القطاع في الانخفاض بصورة كبيرة جداً خلال العام الحالي، مع النتائج غير المبشرة لصافي أرباح القطاع خلال الربع الأول، والتي تراجعت إلى 2.6 مليون دينار بنسبة بلغت 46 في المئة، مقابل 4.8 مليون خلال الفصل الأول من 2015.
وأشار بهمن إلى أن النصف الأول من العام شهد بدوره انخفاضا في صافي أرباح 40 شركة بنسبة بلغت 22 في المئة إلى 6.9 مليون دينار، مقارنة بأرباح بلغت 8.8 مليون دينار عن الفترة المقابلة، ناهيك عن ركود الإيرادات، إذ سجلت ارتفاعا بأقل من 0.5 في المئة إلى 25.3 مليون دينار، مقابل 25.23 مليون دينار عن الفترة نفسها من العام الماضي.
وأكد بهمن أنه على الرغم من عدم تطبيق أي قيود جديدة على تحويلات الوافدين تشهد الإيرادات ركودا حاداً، فيما تتراجع أرباح الشركات على وقع ما يشهده جانب المصروفات من ارتفاع كبير جداً، مقارنة بمعدل الارتفاع في الإيرادات، حيث سجلت المصروفات ارتفاعا بنسبة 12.3 في المئة إلى 18.3 مليون دينار خلال النصف الأول من العام، مقابل 16.3 مليون عن الفترة المقابلة، في حين تشهد المصروفات الإدارية والمصرفية خصوصا ارتفاعا كبيرا حيث زادت 38 في المئة إلى 16.2 مليون دينار خلال النصف الأول من 2016، مقابل 11.79 مليون دينار عن الفترة نفسها.
وذكر بهمن أن أي قرار سيتم اتخاذه في شأن تحويلات الوافدين سواء بوضع قيود على حجم التحويلات، أو فرض رسوم سيجعل أمام الوافدين طريقين ينعكسان سلبا على الأداء الاقتصادي نظرا لعدم وجود حرية في نقل الأموال حينها، مشيرا إلى أن الطريق الاول يتمثل في توجههم للسوق السوداء، ما سيزيد من حدة الأزمة القائمة بالفعل لدى الشركات، والتي تعاني من توجه نسبة كبيرة جداً من العملاء إلى تلك السوق وتراجع عدد معاملاتها اليومية بصورة كبيرة ما سيزيد من «سطوة» السوق السوداء على حساب السوق الرسمي وسيقضي على القلة الباقية من عملاء السوق الرسمي أيضاً.
ولفت بهمن إلى أن العملاء يهربون في الوقت الراهن إلى «السوق السوداء»، للتخلص من قيود المساءلة مع ارتفاع حجم التحويلات عن النطاق المحدد قانوناً، وتوفير قيمة رسوم وعمولات التحويل، وللاستفادة من سعر الصرف غير الرسمي الذي ارتفع الفرق بينه وبين السعر في السوق الرسمي لأكثر من 25 في المئة ببعض العملات، مؤكداً أنه حال تطبيق رسوم بعينها، أو وضع قيود على حجم التحويلات، فإن أثرها سيكون عكسياً.
وذكر أن الطريق الثاني يتمثل في التوجه نحو الادخار مرحليا في الكويت، ما سيزيد من معدلات السيولة لدى البنوك المحلية، ويقلل بالتالي من معدلات اقتراض الوافدين، نظرا لتوفير أموالهم داخل الكويت، وهو ما سيلقي أثرا غير جيد على أعمال القطاع المصرفي.
تغيير سلوكي
وفيما يتعلق بأثر مثل هذه الإجراءات على التحويلات، أشار مصدر اقتصادي مطلع إلى أن التغيير في سلوك الوافدين حال تطبيق مثل تلك الاقتراحات لابد أن يكون محل دراسة، خصوصا وأن سلوكهم سيكون محدداً فاعلاً في الوضع الاقتصادي حينها.
وأكد المصدر أن المقيمين يتعاملون مع الغربة وفقا لعاملين أساسيين، الأول «جودة الحياة» ومعدل الإنفاق المناسب لها، والآخر حجم المدخرات التي يستطيعون توفيرها، وفقاً لعمليات نسبة وتناسب تختلف من شخص لآخر، إلا أن الادخار يمثل عاملاً أساسيا يتخذ عبره الوافد الكثير من القرارات.
وأشار إلى أن القانون الكويتي في الأساس لا يسمح بحظر تنقل الأموال، ويتيح حرية حركتها دعما للأهداف الاستثمارية للدولة، وأن الأمر إن تم يستلزم وجود تشريعات جديدة، لافتا إلى أن هناك تجربة عربية سابقة في هذا الشأن أثبتت فشلها، إذ يصنع ذلك التوجّه مجالاً لظهور أسواق موازية.
كيفية توزّع الإنفاق
تشير أرقام الإدارة العامة للاحصاء، المنشورة في مجموعتها الأخيرة، إلى أن جملة الإنفاق الكلي للأسر غير الكويتية يمثل ما نسبته 70 في المئة من دخلها، قياساً على الحد الأقصى لدخل الشريحة الدنيا، إذ تبلغ قيمة الإنفاق للأسر ذات الدخل الأقل من 450 ديناراً شهرياً، نحو 315 ديناراً، 93 في المئة منها إنفاق استهلاكي، والنسبة المتبقية تدخل في طور المدفوعات التحويلية.
أما الأسر التي يراوح دخلها بين 450 إلى 1049 ديناراً، فيبلغ إجمالي ما تنفقه 6901 دينار تمثل نحو 66 في المئة من دخلها قياساً على الشريحة الأعلى للدخل، بينما تبلغ نسبة الإنفاق الاستهلاكي لتلك الشريحة 93 في المئة من إجمالي الإنفاق.
وتنفق الأسر غير الكويتية التي تراوح رواتبها بين 1050 إلى 1649 ديناراً نحو 1293.7 دينار شهريا، تمثل 78.5 في المئة من إجمالي دخلها، بينما تبلغ قيمة الإنفاق الاستهلاكي لتلك الشريحة نحو 1204.5 دينار شهرياً.
يأتي ذلك فيما يصل إجمالي ما تنفقه الأسر غير الكويتية على المسكن والمياه والكهرباء والغاز نحو 41 في المئة من إجمالي الإتفاق الاستهلاكي، كما تبلغ حصة الاتصالات نحو 4 في المئة من إنفاقها الاستهلاكي، بالإضافة إلى 6 في المئة لصالح الإنفاق على السلع والخدمات الشخصية المتنوعة، ونحو 6 في المئة أيضا لبند الانفاق على النقل، ونحو 8 في المئة تنفق في متاجر التجزئة المتعلقة بالأحذية الملابس لدى شريحة أقل، تتقاضى دخولا بأدنى من 450 ديناراً شهرياً.
لترحيل العمالة... «السائبة»
أجمع الخبراء الذين التقتهم «الراي» على أنه «ينبغي ترحيل العمالة (السائبة) بالفعل من الكويت»، لافتين إلى أن هؤلاء لا يملكون عملاً، وبالتالي هم يشكّلون خطراً على مختلف المستويات، بيد أن هؤلاء وبحسب الخبراء لا يتجاوز عددهم 150 إلى 200 ألف على أبعد تقدير».
وفي هذا السياق، شدّد الخبراء على أنه يجب على السلطات أن تعمل على ضبط مكاتب العمالة المخالفة، ناهيك عن ضرورة السيطرة على ظاهرة تجارة الإقامات المتفاقمة، لما لها من آثار وتداعيات سلبية ليس على الكويتيين فحسب، بل على الوافدين أنفسهم.
آليات رقابية وتنظيمية
قال نائب رئيس اتحاد الصيرفة، طلال بهمن «إن كان تطبيق أي الأمرين (تحجيم التحويلات، أو فرض رسوم أكبر عليها) مقبل لا محالة، فلابدّ من اعتماد آليات رقابية وتنظيمية، وتغليظ العقوبات لمنع وردع العاملين في السوق (السوداء) للصرافة، والقضاء عليها، تحقيقا لنقل التحويلات عبر مسارها الصحيح من خلال المنافذ الشرعية (شركات الصيرفة والبنوك)، لتستطيع الدولة تحصيل رسومها وضمان حسن تطبيق القانون».
تحذيرات صندوق النقد
حذّر صندوق النقد الدولي أخيراً، من أن دراسة بعض الدول الخليجية إمكانية فرض ضريبة على تحويلات الوافدين والدخل، في الوقت الذي يشكّل فيه الوافدون نحو 90 في المئة من موظفي القطاع الخاص في هذه الدول، قد ينطوي على عدد من السلبيات.
وفي حين قدّر الصندوق إجمالي حجم التحويلات السنوية من الدول الخليجية بنحو 84.4 مليار دولار، شدّد على أن فرض ضريبة تصل نحو 5 في المئة على هذه التحويلات، سينتج عنه إيرادات «طفيفة» وهامشية جداً تصل إلى 0.3 في المئة فقط من الناتج المحلي الخليجي، أي 4.2 مليار دولار (2015)، وهي نسبة بسيطة جداً مقارنة مع الإصلاحات المالية التي تحتاج إليها دول المنطقة.
كما اعتبر الصندوق أن فرض الضريبة المذكورة ستترتب عليه كلفة إدارية وتشغيلية قد تخفض من الإيرادات، فضلاً عن مخاطر تتعلق بسمعة الدولة بين العمال، وتراجع تنافسية القطاع الخاص، عدا عن فرض قيود على قطاع الصرافة، وتعدد سعر التحويل.
وذكر «النقد» أن فرض الضريبة قد يخفض دخل الوافدين، مع الأخذ بعين الاعتبار ان العمالة غير الماهرة في الخليج تشكل نحو 80 في المئة من إجمالي عدد الأجانب.
في الإطار نفسه، أشار الى أن فرض الضريبة على دخل الوافدين «قد يسهم في فقدان المنطقة لجاذبيتها على المدى القصير، ولاسيّما في ما يتعلق بالعمالة الماهرة التي تمتلك خيارات توظيف أعلى، وتؤدي إلى نقص في المهارات في حال لم تتوافر اليد العاملة المحلية التي تمتلك المهارات نفسها».
تهريب التحويلات
قسّم مصدر اقتصادي مطلع، تحويلات الوافدين إلى نوعين، الأول «دوري» ويستخدم للإنفاق وهو نوع حتمي التحويل، سيلجأ الوافد معه إلى كل السبل من أجل إيصاله إلى أهله، حيث سينشط حينها «التهريب» أي عملية التحويل في شكل أشياء عينية من مختلف السلع، ومن ثم إرسالها إلى بلادهم وإعادة بيعها، أو اللجوء إلى السوق السوداء للعملات من أجل تحويل تلك الأموال إلى الخارج.
أما النوع الآخر، فيندرج في خانة الإنفاق غير الدوري، ويعتمد على توجه العميل نحو الاستثمار، إذ يلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتراض من البنوك المحلية، أو الادخار محليا بصورة موقتة لحين البدء في الاستثمار، إلا أنه في حال تحجيم التحويلات ستزداد قدرة الوافدين على الادخار، ما يعني توافر سيولة لديهم تغنيهم عن التوجه نحو الاقتراض من البنوك، وهو ما سيؤثر بالنسبة نفسها على محفظة القروض بالتراجع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق